Monday, September 7, 2015

أغاية الدين ان تحفوا شواربكم...

طرح عليَّ كثير من التساؤلات، الغرض منها الاستخفاف والتحقير اكثر من البحث عن اجابة فعلية، مجتمعنا يعشق النرجسية حتى لو كان سببها ماليس لنا يد فيه، مثل الاصل او العرق او الدين او الجنسية..الخ، وان لم يستطع الفرد الحصول على تلك الجرعة فسيسعى الى تحقير الطرف المقابل من اجل الحصول على تلك النشوة.

احب كثيرا النقاش، ولكن اغلب من يطلب النقاش هو شخص لا يقرأ، ينسحب او يحاول التحقير والتسفيه غالبا، حفظت تقريبا كل الاسئلة التي يسألونها لي والتي تتكرر بشكل يومي، تختلف طريقة التقديم ولكن الفكرة واحدة، يعتقدون انها جديدة ومنطقية ونتاج تفكيرهم الشخصي، رغم ان جولة سريعة في اليوتيوب تؤكد لك انهم مجرد ببغاوات.

بعض الاسئلة تستحق الاجابة احيانا، حتى ولو بدت للوهلة الاولى سطحية، فطريقة فهم السؤال والوقوف على الحياد سيكشف الكثير، احد هذه الاسئلة التي تطرح: ماذا قدم الملحد العربي، سواء في المجال العلمي او النفسي او الفلسفي..الخ؟

الاجابة على هذا السؤال بسيطة وهي: انا لست مطالبا بتقديم شيء في احد تلك المجالات، ولم ادعي يوما قدرتي على التميز في احدها بسبب افكاري.

ولتبسيط الاجابة سأعطيك مثالا: هل يعقل ان تسأل شخصا نباتيا (لا يأكل اللحوم) ماذا قدم في مجال الزراعة؟ اعتقد ان الصورة اتضحت الآن، المشكلة هي ان الطرف المقابل هو من يدعي ان المنهج الذي يطرحه سيقدم حلولا في شتى المجالات، وهو امر غير صحيح بنفس القياس السابق، لكنه يقدم مغالطة منطقية يقتصر فيها التوصل الى حل على منهجه او المنهج المضاد له، متجاهلا (بقصد او بدون قصد) وجود خيارات اخرى.

هناك الكثير من المؤمنين العباقرة في مجالهم، والكثير من اللادينيين الحمقى، والعكس ايضا، لكن لاحظ ان اساس المشكلة في السؤال هي كلمة "العربي" وهي مربط الفرس هنا، وعندما اقول العربي أقصد بها الثقافة العربية باعتبار كل من يتحدث العربية جزء منها.

العادات والتقاليد لدينا أقوى من الدين، قد ترفض هذا الطرح ولكنه الواقع، البدوي الذي يقول لك (الموسيقى حرام) تجده لا يتحرج من العزف على الربابة وتلحين الاشعار ويتلقى الاعجاب والتصفيق ممن حوله، الفتاة التي يطلب اهلها منها ان تتحجب تكتفي بتغطية رأسها حتى ولو كانت ترتدي ملابس ضيقة وتضع المكياج، التشريعات الدينية التي لاقت قبولا اصبحت عادات وتقاليد، وتأثيرها اقوى بكثير من تأثير الدين، تخيل انه شرعا يجوز للمرأة طلب الاجرة مقابل ارضاع ابنها (على مذهب احمد والشافعي، وليس موضوعنا التأصيل الشرعي انما على سبيل المثال فقط)، لو سمعت ام زوجها العجوز بهذا الكلام، وتم مواجهتها بالادلة الشرعية، هل تعتقد انها ستقبل هذا الكلام، ام سيقابل هذا الطلب بالاستهجان والرفض؟ وليس فقط من ام الزوج بل من المجتمع بشكل عام، ولكن ان اصبح طلب اجرة الرضاع عادة لدى النساء، فسيختلف الموضوع، والمثير للسخرية ان قبول هذه العادة سيكون وقتها مقترنا بطاعة الله ورسوله والخضوع لاحكام الشرع، والنقطة الاخيرة قد تحتاج بعض التشعب ولكننا لسنا بصدد مناقشتها.

الانسان العربي يعاني من النرجسية، ويعاني من قيود المجتمع التي لا تجعله يتصرف كما يشاء، بل كما يشاء الآخرون، انت جزء من القطيع وليس لك حرية الاختيار الا وفق ما يناسبهم، وهو برأيي المعوق الأول للابداع في اي مجال، كم شخص منا سمع والده يقول له: اريدك ان تصبح طبيبا لترفع رأسي امام الناس، هل تعتقد عزيزي القارئ ان هذا الاب سيرفع رأسه امام الناس اذا اصبح ابنه طبيبا بيطريا؟

هذا الانسان الذي يعجز حتى عن ارضاء ذاته، يعجز ان يكون "هو"، كيف يستطيع ان يرضي الآخرين؟ بل كيف يستطيع ان يتسلق قمة هرم الاحتياجات وكل هذه القيود تجذبه الى الاسفل، لاعجب ان يجد هذا الشخص نفسه مفلسا في كثير من النواحي، فلا يجد شيئا يفتخر به سوى ما منت به الصدفة الزمكانية عليه: أصله، عرقه، دينه، جنسيته..الخ

الحل في الحقيقة ليس في ترك الدين او التمسك به، امقت وبشدة من يروج للالحاد او ترك الدين واعتقد انه امر غبي، الحل هو علمانية الدولة وليبرالية المجتمع، وهو ما يرفضه المجتمع العربي ايضا بدافع العادات والتقاليد، والتي يكون الدين جزء منها، فيخرج تاجر الدين ليعارض هذه الافكار ولا يتسبب الا في زيادة رصيده البنكي ومركزه الاجتماعي، وتأخير تقدمنا الذي يلومنا هو -وبكل وقاحة- عليه.

لدي صديقة امريكية تعمل في الرياض، تتعجب من أن بعض الغربيين الذين عاشوا فترات طويلة هناك قد تأقلموا مع البيئة الخليجية، ولكن بشكل سلبي للاسف، تقول (واقتبس كلامها) اختلف عندهم حتى مفهوم الاخلاق والخطأ والصواب بالنسبة لهم، كونوا عادات سيئة جدا، ووصل بهم الامر انهم ينظرون الى الاسيويين والهنود بنظرة دونية (انتهى الاقتباس)، اذا كنت تعتقد ان هذا التأثير يتجه بخط واحد فأنت مخطئ تماما، لاحظ التغيير الذي يحصل على المبتعثين لدى الدول الغربية، والذي اعتبره في كثير من الاحيان تغييرا ايجابيا، ولكنه يضمحل شيئا فشيئا الى ان يكاد يختفي متى ما عاد الانسان الى بيئته السابقة.

لذلك اقول لك: المشكلة ليست مشكلة عقائدية، انما مشكلة البيئة، انت مؤمن وانا ملحد، ولكن كلانا انسان، لست عدوك ولم اتسبب لك بضرر، ورغم هذا فقيودي اعظم بكثير من قيودك.

No comments:

Post a Comment