Monday, April 20, 2015

المذكرات السوداء لملكة بيضاء

"انتِ ملكة، معززة مكرمة في بيتك، ما تطلعين الا معاك من يساعدك ويخدمك، وترى انتي بنعمة محسودة عليها، وكل البنات يتمنونها، قومي يا بنيتي الله يهديك بس وحطيلي الغدا، وخذي الزبالة وديها برة"
يعتقد انني غبية، يخدعني بهذه الكلمات الرنانة، انا ملكة؟ كم اتمنى ان اخلع هذا التاج اللعين الذي وضعوه على رأسي قهرا، كم اتمنى ان اخنق والدي المسن بامعائه، واخرج عارية الصدر الى الشارع واصرخ: انا جارية فمن يشتريني، واخرج من زنزانة والدي الى زنزانة مالكي، الذي لن يصونني كما يفعل والدي، فهو لا يعتبرني شرفا ولن يضع ذاك التاج اللعين على رأسي، فلا شك لدي ان الجارية المملوكة اكثر حرية من الحرة.
لكن بعد هذا العمر، وبعد ان اصبح الناس يصفونني بالعانس، وبعد ان غلبني الشحم فلم يعد للرجال رغبة بي، اضطر الى تغطية نفسي عندما آخذ القمامة لارميها في الحاوية التي امام بيتنا، حتى لا ينظر الي احد بشهوة، هل مسموح لي ان اكتب قصتي على جبيني؟ حتى ينظر الناس الي بنظرة اشفاق، لعلهم يرحموني بعد ذلك، ولكن حتى جبيني عورة، ولا يهم شيء سوى لحمي الابيض، فأنا كالحلوى المغطاة، انتظر رجلا يتذوقني ثم يعيد تغطيتي، ويعيد الكرة حتى تنتهي الحلوى، ولا يبقى سوى الغطاء الذي تجعد معي، وأصبح تماما مثل كيس القمامة الذي احمله.
الى متى اعيش هذه الحياة؟ اصحو من نومي كل يوم لاطبخ الطعام لأبي، ثم اعود الى غرفتي النتنة المظلمة، ليس فيها الا مصباح واحد يتدلى من السقف كالحبل السري، ولا ارى نور الشمس فيها الا من خلال فتحة المكيف الصغيرة التي يدخل منها الغبار اكثر مما تدخل فيها الحياة الى غرفتي، اعلم جيدا انني نكرة، لا احد يعرفني، كل من يعرف ابي يعلم ان لديه بنات، لكن كم عددهن؟ ما اسمائهن؟ لا احد يعلم، رغم انني الكبرى ولكنه لن يسمي نفسه "ابو دلال" فأنا عورته وشرفه، بل يتسمى باسم اخي الصغير الذي يدمن شم الصمغ وسرقة مفاتيح سيارته اثناء قيلولته، الذي يلعنه كل من في حارتنا، كما العن انا حظي الذي اختار لي ان اكون انثى.
لا يواسيني الا حبيبي، او هكذا اسميه حتى تكون الكذبة اجمل، فلا يبقيه معي الا انني ارسل له صوري بحسب طلبه، بملابس او دونها، والتي اعلم ان جميع اصدقائه قد شاهدوها ايضا، حبيبي الذي لن يتزوجني، فأنا في نظره قد خنت اهلي عندما تعرفت عليه، فما الذي يمنعني ان اخونه، رغم ان هذا الكلب لا يجيد حتى الكذب عندما يقوم هو بخيانتي في احضان الروسيات، ويخبرني انه سيذهب الى البحرين لمشاهدة السينما والتسوق، وتتعجب مني صديقتي عندما اقول لها ان هذا الوضع هو الافضل، فهو اما انه سيرحل يوما ليتزوج فتاة لا يعرفها، اختارتها امه او اخته له، او سيتزوجني ليجعل من حياتي جحيما آخر، فلا يتبدل فيها الا الزنزانة وحاجتي الى حلاقة الشعر باستمرار، وقد يكون قلب أبي أحن الي من قلب زوجي، ولن اكون بالنسبة له الا قطعة من اثاث البيت، او ماكينة تفريخ لانتج ذكورا وضيعين مثله، او اناثا بائسات مثلي.

نعم، انا ملكة.

No comments:

Post a Comment