Thursday, March 26, 2015

نار العلمانية وجنة الثيوقراطية

صباح/مساء الخير بحسب وقت قرائتك لهذه المقالة.

الثيوقراطية هي باختصار الحكم الديني، ومشاعرنا للاسف دائما تدفعنا للتحيز ضد اي مصطلح يتصادم مع مصطلح الدين، ولا عجب في ذلك ان عدنا للوراء وشاهدنا كيف تم غسل ادمغتنا وحقن ثقافة الترغيب والترهيب في عقولنا كأطفال، والترغيب والترهيب هو اسلوب تربوي معتمد عموما ولا بأس به، ولكن ما اقصده هو المغالاة والتطرف في استخدام هذا الاسلوب، فمنذ ان دخلنا المدرسة كانت المناهج الدينية تنتظرنا، وتحدثنا عن امور لا نفقهها كأطفال، وتدرجت معنا كلما كبرنا واصبحت شيئا فشيئا حقائقا مترسبة منقوشة في عقولنا، فأصبحت حياتنا تتمحور حول الدين، نحبه ونخافه في نفس الوقت، نبحث فيه حتى عن سفاسف الامور، وتصل حتى الى امكانية ان تدخل هاتفك الذي يحتوي المصحف معك الى دورة المياه.

ومع تشعب العلوم الدينية وتكاثرها، وقلة اهتمام الناس في دراستها وتعلمها لعدم وجود امور فنية فيها يمكنها ان تخدمك في الحياة كتعلم الزراعة او الطب على سبيل المثال، كان أغلب الناس يتركون دراسة تلك العلوم الى امور اخرى لتكسبهم قوت يومهم، ثم يلجأ الناس الى الى الشيخ الذي درس تلك العلوم الشرعية، ليفتيهم في امور دنياهم، وشيئا فشيئا اصبح الشيوخ ينافسون الملوك والحكام في سيطرتهم على عقول الناس، وعلى ما في داخل انفسهم حتى ولو اظهروا عكس ذلك، فالشيخ يتكلم باسم الله، ولا رغبة للانسان العامي البسيط الا ان يرضي الله، فينال جنته ويتجنب عقابه.

ولست اطرح امرا جديدا ان قلت ان كثير جدا من المسلمين يرغبون بعودة الحكم الديني والخلافة الاسلامية، فكثيرا ما دغدغت مشاعرهم اقوال الخلفاء كقول الرشيد للسحابة "امطري حيث شئت فسيأتيني خراجك" في اشارة الى توسع مملكته، او قول عمر بن عبدالعزيز والذي يعتبره البعض خامس الخلفاء الراشدين لما فاض المال في بيت مال المسلمين في عهده "انثروا القمح فوق رؤوس الجبال، حتى لا يقولوا جاع طير في بلاد المسلمين"، وتقدم المسلمين العلمي والثقافي وقصص اختراع الصفر وتدريس كتب علماء المسلمين في جامعات اوروبا وكيف كانوا اسياد زمانهم، فبعد ان يسمع الانسان البسيط تلك القصص، وينظر الى حال ما يعتبرها امته، يشعر بالحزن الشديد لوجودهم في القاع بعد ان كانوا يوما من الايام أسياد الارض، وما لا يدركه هذا الانسان البسيط هو ان تقهقر المسلمين وتخلفهم عن الركب لم ينتج فجأة بعد سقوط الخلافة العثمانية التي اطلق مصطفى كمال رصاصة الرحمة على رأسها، بل ان الدول الاسلامية لم تكن متقدمة بسبب تحكيم الدين اصلا.

اكثر ما يضحكني هو الادعاء بأن المسلمين اخترعوا الصفر، بينما كل ما حدث هو انهم نقلوا ما وجدوه في كتب الهنود دون امانة علمية، علما بان اول من اخترع الصفر ليس الهنود اصلا ولكن كان من اختراع شعوب المايا بزمن يصل الى سنة 36 قبل الميلاد، اما من يصفونهم بالعلماء فالكثير منهم تم اتهامه بالزندقة والكفر مثل ابن سينا والرازي وابن رشد وغيرهم، الا ان تراخي الخلفاء في تطبيق الاحكام هو ما اعطى المجال لهؤلاء الاشخاص بممارسة حياتهم بشكل طبيعي، واعطاهم مجالا للابداع والاكتشاف، ثم يدور الزمن ويحسبون كنقطة ايجابية في تاريخ الخلافة الاسلامية، رغم ان الخلافة لم تنصفهم الا في التغاضي عنهم، على ان المسلمين (ولن اقول العرب) برعوا في العلوم الشرعية دون شك، والتي لم تقدم فائدة تذكر لتضعنا في مصاف الدول التي سبقتنا، بل على العكس تماما.

ولكن ماذا عن الخلافة وفكرة العدل؟ ما لا يعلمه الانسان البسيط هو ان اربعة من اصل خمسة من الخلفاء الراشدين ماتوا قتلا والأول الذي لم يقتل مشكوك فيه ايضا ويعتقد بانه قتل (طبعا خمسة باعتبار عمر بن عبدالعزيز الخامس) والرسول عليه الصلاة والسلام مات مسموما، والحسن بن علي بنفس الطريقة، والحسين بن علي تم قتله في عهد يزيد، وفي عهد معاوية والد يزيد حدث قتال بينه وبين علي بن ابي طالب، وحدث قتال ايضا بين الاخير وبين جيش عائشة، ولم ينته القتل عند هذا الحد، فالدولة الاموية تشربت جذورها الدماء قبل ان يشتد عودها، وشهدت ظلما وبطشا لعل اشهره هو ما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي لم يكتفي بالقتل والظلم والاضطهاد بل وصل به الامر ان ضرب الكعبة بالمنجنيقات حتى ساواها بالارض، ولم ينتزع الحكم من الامويين سوى القتل، فقامت الدولة العباسية التي كان لها من الدماء نصيب ايضا، فاشتعلت الحرب بين المأمون واخوه حتى قتل الاول الثاني، ثم حكم بحكم المعتزلة وعلى رأسهم بشر المريسي، وكان في عهده يحاكم ويعدم اي شخص يقول بان كلام الله غير مخلوق وهو ما يقوله عامة المسلمون اليوم، ولم تنته الخلافة العباسية الا بالدماء ايضا حين اجتاحها هولاكو خان وقتل الخليفة المستعصم بالله ودمر المدينة بما فيها، واستمر الحال من دماء الى دماء حتى انتهت الخلافة.

لم يستمر هذا الوضع طويلا بعد ظهور جمال البنا ورفعه شعار "الاسلام هو الحل" وهو شعار للاسف لا ينطلي الا على من لا يقرأ، فالاسلام انقسم الى عدة مذاهب اهمها المذهبين السني والشيعي، ولو افترضنا بان الاسلام السني هو ما سيطبق، فأي مذهب سيطبق؟ الاشعري؟ ام المعتزلي؟ ام السلفي؟ ام الماتردي؟ او؟ او؟

ما لا يدركه الانسان البسيط هو انه يلعب بالنار، ولا يرى الا امامه فيعتقد ان لا نار خلفه، والحقيقة انه يجلس في حلقة من النار ستضيق شيئا فشيئا، حتى تطبق عليه ويكون رمادا دون ان يعي انه هو من اشعل تلك النار.

ما نحتاجه الان هو ان نتعلم التعايش السلمي وقبول الاخر والاختلاف، وهذا ما لن يقدمه التيار الديني لنا مهما رفع من شعارات، ويجب علينا ان نتعلم كيفية اطفاء النار..قبل ان نشعلها.

تحياتي

1 comment:

  1. مقالة ممتازة
    ترغم القارئ ان يواجه الماضي
    و يحاكم التاريخ ليعرف أين يقف اليوم فعلا

    ReplyDelete