Saturday, March 14, 2015

كنتاكي..ألا لعنة الله على كنتاكي


دخل معلم الأحياء الى الصف وبيده نتائج أوراق الاختبار، هدوء وقلق وتوتر شديد يسيطر على أغلب الطلبة، الذين يعلمون ان نتائجهم ستكون غير مرضية وان اهلهم سيعاقبونهم بعقوبات تتراوح بين الحرمان من هواتفهم وبين الضرب،كسر هذا الهدوء كلام المعلم قائلا: "هنوزع أوراق الاختبار بداية من أعلى درجة لحد ما نوصل للناس الخايبة الي ما كتبتش غير اسمها" وبعد ان فتح المعلم الظرف الذي يحتوي أوراق الاختبار قال: "أول إسم: مشاري احمد عبدالله، عشرة من عشرة وبيستاهل تحية عاوزين نصفقله"
لم يصفق أحد، خصوصا ان مشاري كان شابا شديد البياض وشديد السمنة، ذو شخصية ضعيفة، نظاراته المقعرة السميكة توحي لمن يراه بأنه غبي اجتماعيا، ولكنه ذكي دراسيا.
نهض من كرسيه مبتسما متجها الى المعلم الذي يبادله ابتسامة الرضا والفخر، مشى بخطوات سريعة واثقا بأنه سيحصل على مكافأة من اهله الذين سيفرحون بنتيجته، أخذ ورقته من المعلم وزادت ابتسامته حينما قرأ ما كتبه المعلم بجانب الدرجة "أحسنت، واتمنى لك التوفيق في حياتك العلمية والعملية"، أصبح متلهفا لنهاية اليوم الدراسي والعودة الى البيت، قاطع ابتسامة مشاري وفرحته صوت أحد زملائه قائلا:
"الدب القطبي!"
غيرت هذه الكلمة حال الصف من التوتر والهدوء الى الضحك المتواصل والسخرية من مشاري، توالت بعدها عبارات السخرية من زملائه: ("مخزن المعلومات بكرشك؟" ،، "يالفقمة").
عبارات ساخرة وحاسدة تتوالى عليه من كل مكان، لا يستطيع الرد على احد، ما ان ينظر الى شخص حتى يسمع كلمة اخرى من شخص آخر، كانت هذه السخرية كفيلة باحباطه وافساد فرحة التفوق عليه.
خرج من المدرسة متجها الى مطعمه المفضل، دجاج كنتاكي، رائحة الطعام الساحرة تتسلل الى انفه وتناديه من بعيد لتعويضه عن كمية الألم الذي يشعر به، دخل وطلب وجبة لشخصين مع قطعة تيراميسو وتشيز كيك، أخذ يأكل بشراهة وسرعة مقرفة، لم يكن يأكل ليشبع فقط؛ انما يأكل للاستمتاع ويأكل اكثر مما يحتاج حتى، وما ان انتهى وشبع ووصل الى مرحلة يصعب عليه فيها التحرك، حتى اصبح ينظر للمطعم والاكل بنظرات حاقدة، وكأنه يلومهم على زيادة وزنه ويرى انهم سببا في سخرية زملائه منه، ويقرر -كما قرر بالأمس ايضا- أن لا يأكل من هذا المطعم مرة أخرى.
لم يكن هذا اليوم سعيدا على مشاري، رغم ان بداياته كانت جميلة، إلا ان تصرفات مشاري كانت تنعكس سلبا عليه، فهو لا يحس بالمسئولية ولا يحمل نفسه نتيجة تصرفاته، ويلقي دائما باللوم على الآخرين، فأصبح منعزلا عن الناس، ممسكا بهاتفه ويلعب دون ان يلقي حتى بقايا الطعام الذي تكدس على طاولته ودون ان يشعر بالوقت، إلى ان قاطع لعبته على الهاتف اتصالا من والدته التي ارادت الاطمئنان عليه وتذكيره بموعد الطبيب، فما كان منه الا ان رد عليها بكل وقاحة واسلوب لا يجرؤ ان يستخدمه مع زملائه في المدرسة، فهو يعلم ان والدته لن تمارس عليه نفس القسوة التي يمارسها زملائه، ولكنه -ولقلة ذكائه الاجتماعي- لا يفهم لماذا.
وماذا يمكن للطبيب ان يفعل؟ فآلام الركبة التي يعاني مشاري منها سببها زيادة الوزن، ورغم محاولات الطبيب الكثيرة الا انه أيقن تماما ان المشكلة تكمن في مشاري نفسه، يجب عليه ان يتخذ قرارا جادا لتفادي تطور المشكلة، يجب على مشاري ان يدرك انه هو المشكلة، لا يوجد عوامل خارجية تسبب المشكلة سوى قلة الحركة وكثرة الأكل، وبكل لامبالاة ودون ان ينظر للطبيب ومستمرا باللعب في هاتفه يقول:
"والله عاد شسوي حق كنتاكي، أكلهم حلو دكتور"
الطبيب: "يا مشاري المشكلة مو في كنتاكي، المشكلة فيك إنت"
مشاري: "اي يعني شسوي دكتور حاولت وماكو فايدة، سوولي عملية تكميم وخلاص"
الأم: "يا مشاري انت توك صغير على العمليات، حرام عليك، لازم تحاول لا تقول حاولت وانت كل يوم تاكل وجبات سريعة"
مشاري(غاضبا): "يما ماحب اكل البيت، غصب يعني؟ والمطعم قريب من المدرسة وريحة الاكل تدش بخشم الواحد، ليش ما يسكرون المطعم احسن؟ انتوا ليش جذي كله تبون تطلعوني انا غلط، حتى اهلي يكرهوني!"
خرج مشاري يسابق دموعه، أغلق هاتفه حتى لا تتصل به والدته، أخذ يمشي ويبكي لوحده، حتى أحس بالجوع، فدخل مطعم للبيتزا وطلب وجبة تكفي لاربع اشخاص، وأخذ يأكل ويأكل حتى كره نفسه، وقرر كما قرر اليوم، أن لا يأكل من هذا المطعم مرة أخرى.

No comments:

Post a Comment